أخر الاخبار

أيوب الكعبي: من صبي نجّار في المغرب إلى صانع أمجاد اليونان

أيوب الكعبي: من صبيّ نجّار في المغرب إلى صانع أمجاد اليونان

لم يكن الصراع بين أولمبياكوس وباناثينايكوس يومًا مجرد تنافس كروي، بل هو انعكاس لهويتين اجتماعيتين متناقضتين. فقد ظلّ باناثينايكوس رمز العاصمة أثينا، نادي البريستيج والنخبة والواجهة الراقية، وارتبط تاريخيًا بالصورة الأرستقراطية للكرة اليونانية. في المقابل، شكّل أولمبياكوس نادي العمال والكادحين، ابن ميناء بيرايوس، صوت الطبقة العاملة وروحها الصلبة، فريقًا لا يعيش على الصورة، بل على الكفاح والاستمرارية.

لعقود طويلة، كان الحضور الأوروبي البارز حكرًا على باناثينايكوس، خاصة مع وصوله إلى نهائي 1971 أمام أياكس، حيث انهزم في المباراة النهائية، وكان يقوده الأسطورة فيرينتس بوشكاش. ورغم الخسارة، بقي ذلك الإنجاز حاضرًا في الذاكرة كدليل على “أناقة” العاصمة وقدرتها على تمثيل اليونان أوروبيًا. أما أولمبياكوس، فرغم هيمنته المحلية، فقد ظلّ يبحث عن لحظة تاريخية تليق بنادي العمال، لحظة تُكافئ العرق قبل الأسماء.

هنا، دخل أيوب الكعبي المشهد، لا كنجم صُنع في الأكاديميات الأوروبية، بل كقصة كفاح خالصة. من صبيّ نجّار في المغرب، يعمل بيديه قبل أن يراوغ بقدميه، إلى مهاجم يحمل أحلام جماهير بأكملها. لم يصل الكعبي عبر الطرق المعبّدة، بل شقّ طريقه بالصبر والعمل، وهي القيم ذاتها التي يُجسّدها أولمبياكوس.

في موسم 2023–2024، تحوّل الكعبي إلى محور الحلم القاري. ففي نصف نهائي دوري المؤتمر الأوروبي أمام أستون فيلا، قدّم واحدة من أعظم السلاسل التهديفية في تاريخ المسابقة، مسجلًا خمسة أهداف في مباراتي الذهاب والإياب، ليقصي فريقًا إنجليزيًا عريقًا شبه بمفرده، ويقود أولمبياكوس إلى النهائي لأول مرة، مرفوع الرأس.

وجاء النهائي أمام فيورينتينا ليختصر القصة كلها في لحظة واحدة. في الدقيقة 116 من الوقت الإضافي، سجّل أيوب الكعبي هدف الفوز القاتل، هدفًا حمل أكثر من معنى: أول لقب أوروبي في تاريخ أولمبياكوس، وأول تتويج قاري كبير للكرة اليونانية. كان ذلك هدف العامل الذي انتصر على البريستيج، وهدف الكفاح الذي تفوّق على الصورة.

هكذا، لم يعد تاريخ الكرة اليونانية محصورًا في حلم باناثينايكوس القديم، بل أصبح واقعًا صنعه نادي العمال بقدم مهاجم مغربي بدأ حياته نجّارًا. أيوب الكعبي لم يسجّل أهدافًا فقط، بل أعاد كتابة السردية: من الهامش إلى القمة، ومن العرق اليومي إلى المجد الأوروبي، ليصبح اسمه مرتبطًا بلحظة الميلاد الحقيقي لكرة يونانية قارية.

ما حدث بدا أشبه بالحلم. ففي موسمه الأول، قاد أولمبياكوس للتتويج بـدوري المؤتمر الأوروبي، وتُوّج هدافًا للبطولة وأفضل لاعب فيها. من نجّار بسيط إلى قاهر أوروبا. ثم أضاف الدوري اليوناني وكأس اليونان، ونال جوائز أفضل لاعب في اليونان، وأفضل لاعب أجنبي، واختير ضمن فريق الموسم، وتُوّج أفضل لاعب في أولمبياكوس.
كان موسم 2023–2024 موسمًا كُتب باسمه.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-