أخر الاخبار

هل يتقاطع الولاء الإداري لممثلي الدولة مع فلسفة الدولة نفسها

لبنى الجود

في مغرب يسير بخطى ثابتة نحو تكريس نموذج الجهوية المتقدمة، باعتبارها آلية دستورية لتوزيع عادل للثروات وتوطين القرار العمومي بالقرب من المواطن، يطفو على السطح سؤال بالغ الأهمية: 

❌ هل يتقاطع الولاء الإداري لممثلي الدولة مع فلسفة الدولة نفسها، أم أنه في بعض الأحيان ينحرف عنها ليصبح ولاءً للذات، للواجهة، أو للمحيط؟

انطلقت شرارة هذا السؤال من مشهد رمزي لكنه محمّل بدلالات مؤسفة: قيام واليي جهتي مراكش-آسفي وفاس-مكناس بذبح أضحية العيد، بالرغم من صدور تعليمات ملكية واضحة تدعو إلى التخلي عن هذه العادة الرسمية، مراعاةً للظرفية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها البلاد. هذا السلوك، الذي يبدو للوهلة الأولى تقليدياً أو شكلياً، يكشف عن عمق خلل في فهم مفهوم الولاء الإداري، وعن تراجعٍ في الالتزام بروح الدولة الحديثة التي تقتضي الانضباط، لا التفاخر بالموقع.

إن الولاء الإداري ليس خضوعًا شخصيًا، بل هو تجسيد مسؤول لروح الدولة وقيمها العليا، غير أن ما أفرزته بعض الممارسات الجهوية هو انزياح مقلق لهذا المفهوم، حيث يتحوّل الولاء إلى الذات والرمزية الشخصية، لا إلى المؤسسات التي يُفترض أن تُخدم من خلالها الدولة.

فقد تحول بعض الولاة إلى ما يشبه "قادة العرش في الجهات"، يمارسون سلطة شمولية على مجالهم الترابي، ويتصرفون كأصحاب شرعية موازية، غير خاضعة دائمًا للرقابة أو التوجيه،  وهنا لا تكمن الإشكالية في سلوك فردي معزول، بل في منظومة رمزية تغذي الانفصال الصامت عن روح الدولة، تحت غطاء الجهوية المتقدمة.

بقدر ما تعتبر الجهوية المتقدمة آلية راقية لتدبير الشأن المحلي، فإنها تظل محفوفة بخطر الانحراف حين تغيب آليات الضبط والمواكبة،  فالجهات ليست جزرًا مستقلة، بل امتدادات ترابية لتنفيذ السياسات العمومية الوطنية،  غير أن بعض المسؤولين الجهويين، مدعومين أحيانًا بشبكات محلية من الأعيان أو المصالح، يتصرفون بمنطق الاستقلال لا التمثيل، ما يؤدي إلى اهتزاز في مبدأ وحدة القرار، ويخلق تفاوتات مؤسسية خطيرة.

أمام هذا الوضع، تفرض المرحلة ضرورة إعادة تأطير العلاقة بين المركز والجهات وفق منطق مزدوج:

من جهة، تمكين الجهات من ممارسة صلاحياتها كاملة في ما يخدم ساكنتها، ومن جهة ثانية، إرساء آليات رصد ومساءلة دقيقة لكل انزلاق إداري أو رمزي، بدءًا من الولاة وانتهاءً بكافة أجهزة التنفيذ الترابي. كما يجب أن تُفعل الإدارات المركزية دورها الرقابي لا كمجرد هياكل بروتوكولية، بل كأجهزة يقظة تتابع، توجه، وتحاسب. وهذا يتطلب ترسيخ مبدأ التبعية المؤسساتية المنظمة، لا الانفصال العملي الذي ينشأ من تفاوت القوة بين المركز والجهات . 

إن الإصلاح الإداري الحقيقي لا يُقاس بكثرة الصلاحيات، بل بمدى التزام المسؤول بروح الدولة وبالأولويات الوطنية. ومتى ما تحوّل الولاء الإداري إلى واجهة لتضخيم الذات، فإننا نكون بصدد تهديد جوهري لفلسفة الجهوية المتقدمة، بل ولمفهوم الدولة نفسه.

ولذلك، فإن كل استثناء، كل تجاهل للتعليمات الملكية، وكل تصرف فردي يستعرض الهيبة عوض الانضباط، هو مؤشر على ضرورة التوقف، المراجعة، والتقويم، حتى تبقى الدولة واحدة في مرجعيتها، متماسكة في خطابها، ومسؤولة أمام مواطنيها، من طنجة  إلى الكويرة... و كل المؤسسات معنية. 

و السؤال الأعمق الذي يطرح نفسه بعد إقالة والي جهة مراكش آسفي و والي جهة فاس -مكناس هو كالتالي :

كيف أن لا أحد ممن حضروا و شاركوا في فعل #العصيان من ممثلي السلطة المحلية و المنتخبين حرك ساكنا فإعترض أو أعرض ، و لماذا ؟  و من سيحاسبهم ؟

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-