أخر الاخبار

الحاج المعطي بن الكبير: سيرة قائدٍ جمع بين السيف والقلم

 القائد المعطي بالكبير البورزكي


في مطلع القرن التاسع عشر، وُلد الحاج المعطي بن الكبير بن المدني البهلولي في مدينة سطات، بين أحضان أسرة عريقة اشتهرت بالنفوذ والقيادة. كان أبوه، القائد الكبير بن المدني، زعيم قبائل "ولاد بورزك"، فتربى الابن على فنون القيادة والحرب، حتى أصبح أحد أبرز وجوه المغرب في عهد السلطان المولى الحسن الأول.

من ساحات القتال إلى قصور الدبلوماسية

نشأ الحاج المعطي في بيئة عسكرية صارمة، حيث قاد "الرحى" – الوحدة القتالية التابعة للجيش السلطاني – وخاض مع الملك حملاتٍ عسكرية امتدت من جبال الأطلس إلى صحراء سمارة. لكنَّ شجاعته في الميدان لم تكن وحدها ما ميّزه، بل ذكاؤه السياسي الذي دفعه إلى ساحة الدبلوماسية الدولية.

بتكليف من السلطان، مثَّل المغرب سفيرًا في عواصم أوروبا الكبرى: إيطاليا تحت حكم الملك أومبيرتو الأول، وإسبانيا حيث ناقش أزمات سبتة وتطوان، وفرنسا التي واجه فيها موقفًا طريفًا يُحكى إلى اليوم. فحين قدّم له الرئيس الفرنسي "بول دومير" سيجارة خلال لقاء رسمي، رفضها الحاج المعطي بثقة، مرددًا: "لا مكان للتبغ في مجلس يُدار بماء الوجه والاحترام". موقفٌ أثار إعجاب المغاربة، واضطر السلطان لاحقًا لشرحه كرمز للالتزام بالقيم، لا كإهانة دبلوماسية.

معماري سطات وحكيمها

لم يكن الحاج المعطي مجرد قائد عسكري أو دبلوماسي، بل كان رجل إعمار وتنمية. أعاد تشكيل مدينة سطات بلمسة هندسية لا تزال آثارها مرئية:

حي درب الصابون: الذي شُيّد تحت إشرافه، وما زال يحمل اسمه حتى اليوم.

قيسارية سطات: القلب التجاري النابض الذي جذب تجارًا من فاس مثل عائلات "المريني" و"بن شقرون"، فحوّل المدينة إلى محور اقتصادي.

ملاح اليهود: منطقة بنيت لحماية الطائفة اليهودية من اعتداءات البدو، في خطوة نادرة تعكس رؤيته للتعددية.

كما امتلك أراضي شاسعة تجاوزت 4500 هكتار، جعلت منه سيدَ الزراعة في المنطقة، حيث كانت حقول سطات تُصدّر القمح والشعير إلى أوروبا.

إرث عائلي وسياسي طويل

ترك الحاج المعطي إرثًا عائليًا ضخمًا: 55 ابنًا وبنتًا من زوجاته الحرائر وجواريه، تولى كثير منهم مناصب قيادية. ومن أبرزهم ابنه "القائد علي"، الذي لعب دورًا محوريًا في مبايعة السلطان مولاي حفيظ.

وحتى في قصبته الشهيرة – التي بناها المولى إسماعيل – استضاف رموزًا كالشيخ "ماء العينين"، المجاهد ضد الاستعمار، مما حوّل المكان إلى ملتقى للسياسة والروحانية.

الرحيل.. والذكرى التي لا تموت

في عام 1909، رحل الحاج المعطي ودفن بجوار الوالي الصالح "سيدي الغليمي" في سطات، لكن سيرته بقيت حية. فمن قصبته الشامخة إلى أحيائه العتيقة، مرورًا بحكاياته الدبلوماسية، صار نموذجًا للقائد الكامل: عسكريٌ شجاع، دبلوماسيٌ حكيم، ومعماريٌ لمجد مدينته.

اليوم، بين أزقة سطات ووثائق التاريخ، يحكي الناس قصص رجلٍ جمع بين السيف والقلم، وترك وراءه مغربًا أكثر قوةً وتنوعًا.

القائد المعطي بالكبير البورزكي
القائد الحاج المعطي بن الكبير بن المدني المزمزي دبلوماسي وفقيه مغربي اتقن بعض اللغات وهو سفير السلطان الحسن الاول (حكم (1873-1894)) في روما في عهد الملك أومبيرطو الاول Umberto I (حكم (1878-1900)).



القائد المعطي بالكبير البورزكي




القائد المعطي بالكبير البورزكي


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-