
انطلقت، مساء اليوم بنيويورك، أولى الجلسات المخصصة لمداخلات أطراف نزاع الصحراء المغربية ضمن أشغال اللجنة الخاصة المعنية بمناقشة قضايا الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، المعروفة بـ”اللجنة الـ24″، بمشاركة منتخبين وفاعلين مدنيين وحقوقيين يمثلون الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية.
وتخصص اللجنة، التي تمتد أشغالها إلى غاية 20 يونيو الجاري، جزءا مهما من جدول أعمالها لمناقشة ملف الصحراء المغربية؛ وذلك استنادا إلى قرار الجمعية العامة الصادر في دجنبر 2024، الذي جدد التأكيد على دعم المسار السياسي الأممي تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة.
ومن المنتظر أن تتواصل الجلسات المخصصة لمداخلات مختلف الأطراف يومي 10 و11 يونيو الجاري، في أفق رفع توصيات إلى الدورة الثمانين للجمعية العامة، وضمن تقرير خاص يعده الأمين العام حول تنفيذ مقتضيات القرار الأممي الأخير.

مشاركة مغربية
استهلت الجلسة بكلمة ألقاها محمد أبا، عضو مجلس جهة العيون الساقية الحمراء، أكد فيها على الانخراط الفعلي والدائم لساكنة الصحراء المغربية في تدبير شؤونها المحلية، من خلال مؤسسات منتخبة بطريقة ديمقراطية، وبمشاركة فعالة في مختلف الاستحقاقات الوطنية، مشددا على أن “هذا الانخراط يعكس التمسك الجماعي بالوحدة الوطنية والانتماء الراسخ إلى الهوية المغربية”.
وفي هذا الصدد، قال محمد أبا إن المنطقة شهدت تحولات عميقة منذ استرجاع المغرب لوحدته الترابية سنة 1975؛ وذلك بفضل الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، التي جعلت من الأقاليم الجنوبية ورشا تنمويا مفتوحا، مرتكزا على الكرامة الإنسانية والتنمية المستدامة، لافتا إلى أن “المشاريع المهيكلة، وعلى رأسها الطريق السريع تيزنيت-الداخلة الذي يرتقب افتتاحه في يناير 2025، تمثل نموذجا لهذا التحول التنموي المتكامل”.
وأضاف عضو مجلس الجهة أن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أطلق سنة 2015، مكن من تعبئة موارد مهمة لتسريع وتيرة التنمية وتنويع الاقتصاد وتحسين مؤشرات العيش، مبرزا أن “الاستثمار الحقيقي يبقى في العنصر البشري، من خلال برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي مولت، خلال سنة 2025 فقط، أزيد من 167 مشروعا بجهة العيون الساقية الحمراء، بغلاف مالي ناهز 36.5 ملايين درهم”.
ولم يفت ممثل الوفد المغربي التذكير بأن الانتخابات الأخيرة لسنة 2021 سجلت أعلى نسبة مشاركة على الصعيد الوطني بلغت 66.94 في المائة؛ وهو ما يعزز، حسب تعبيره، “مدى التشبث بالمسار الديمقراطي المغربي والانخراط الواعي في البناء المؤسساتي للدولة”.
كما توقف المتحدث عند المواقف الإيجابية المتزايدة للمجتمع الدولي من قضية الصحراء المغربية، مشيرا إلى أن “مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 تحظى اليوم بدعم واسع، باعتبارها المقترح الجاد وذي المصداقية”.

وفي ختام مداخلته، دعا أبا المنتظم الدولي إلى تحمل مسؤوليته في دعم الدينامية التنموية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية، والتفريق بين الواقع المتجدد في الميدان وبين الأطروحات المتجاوزة التي تروج لسرديات لا تمت إلى الواقع بصلة، انسجاما مع دعوة الملك محمد السادس إلى تجاوز منطق الصراع المفتعل وبناء شراكات إقليمية تقوم على التنمية والاستقرار.
وفي تصريح خص به جريدة هسبريس الإلكترونية، أكد محمد أبا، عضو مجلس جهة العيون الساقية الحمراء، أن مشاركته في أشغال اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار بالأمم المتحدة تأتي استجابة لدعوة رسمية، واستمرارا لحضوره المتواصل في هذا المحفل الأممي منذ سنة 2017؛ بما في ذلك جلسات عقدت سابقا في تيمور الشرقية، موضحا أن “حضوره كممثل منتخب عن ساكنة الصحراء المغربية يشكل امتدادا طبيعيا لمهمة الترافع الميداني حول واقع التنمية والديمقراطية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة”.
وأضاف أبا، في أعقاب الاجتماع المنعقد بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، أن التجربة الديمقراطية في الصحراء المغربية ليست مجرد شعارات وهمية؛ بل ممارسة يومية يجسدها منتخبون يديرون الشأن المحلي في مجالات حيوية كالإسكان والنقل واللوجستيك، مذكرا بأن “انتخابات سنة 2021 سجلت أعلى نسبة مشاركة وطنية بلغت 66.94 في المائة، في تأكيد على مدى الارتباط الفعلي لساكنة الجهة بالمؤسسات وبالاختيارات الوطنية”.
وزاد: “النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية مكن من إحداث نقلة نوعية في مستوى الخدمات والبنيات التحتية؛ ما جعل المنطقة فضاء جاذبا ومندمجا في محيطيه الوطني والقاري”.
وأشار عضو الوفد المغربي إلى أن حضور المنتخبين المحليين في مثل هذه الاجتماعات الدولية يوجه رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن ساكنة الصحراء المغربية ليست موضوعا للنقاش بل فاعلا فيه، وأن الأقاليم الجنوبية تعيش تحولات عميقة تجسدها افتتاح أزيد من ثلاثين قنصلية في مدينتي العيون والداخلة، وتدعمها مواقف دول وازنة كفرنسا والولايات المتحدة، وبريطانيا التي عبرت عن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي كحل جاد وواقعي للنزاع الإقليمي المفتعل.
وأكمل محمد أبا تصريحه لهسبريس بدعوة المجتمع الدولي إلى تجاوز الأطروحات المتجاوزة، والتفاعل مع الحقائق الميدانية التي تصنعها الدبلوماسية الملكية بثبات، قائلا: “آن الأوان لإخضاع ساكنة مخيمات تندوف لعملية إحصاء شفاف، وتمكينهم من العودة إلى أرضهم والمشاركة في مستقبل الأقاليم الجنوبية، وفق رؤية جلالة الملك محمد السادس التي تضع الأمم المتحدة أمام مسؤولياتها السياسية والإنسانية”.
من جهتها، قالت الغالية باهية، عضوة مجلس جهة الداخلة وادي الذهب، إن الدينامية التنموية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية للمملكة، وعلى رأسها جهة الداخلة وادي الذهب، تشكل تجسيدا عمليا لرؤية استراتيجية يقودها الملك محمد السادس، تروم ترسيخ الاندماج الشامل لهذه الأقاليم ضمن النموذج التنموي الوطني، عبر مشاريع مهيكلة تترجم إرادة سياسية قوية لبناء أقاليم مزدهرة ومتصلة بمحيطيها الجهوي والقاري.

وأكدت باهية، في مداخلة لها بالجلسة ذاتها، أن جهة الداخلة باتت تصنف اليوم ضمن أبرز مراكز النمو الصاعد بالمملكة، بفضل استثمارات ضخمة همت قطاعات البنية التحتية، من طرق وموانئ ومطارات، فضلا عن مشاريع الطاقة المتجددة التي تستثمر الإمكانات الطبيعية الهائلة للمنطقة في مجالي الطاقة الشمسية والريحية؛ مما يجعلها رافعة استراتيجية للاستثمار والتنمية الخضراء.
كما أبرزت ممثلة الجهة أن الداخلة تلعب دورا محوريا في تعزيز انفتاح المغرب على عمقه الإفريقي، من خلال تحولها إلى منصة اقتصادية ولوجستيكية تربط بين شمال إفريقيا وغربها، حيث تتواصل مشاريع تهم تهيئة مناطق صناعية، وتوسيع العرض السياحي، وتشجيع استثمارات في قطاعات الصيد البحري والفلاحة المستدامة، بما يضمن استفادة الساكنة المحلية ويكرس حكامة مجالية دامجة.
وختمت المسؤولة الجهوية مداخلتها بالتأكيد على أن ساكنة الصحراء المغربية، التي اختارت ممثليها بكل حرية وديمقراطية، تنخرط اليوم في دينامية تنموية شاملة، مسجلة أن “مبادرة الحكم الذاتي، التي تقدمت بها المملكة سنة 2007، تظل الإطار الأمثل لتدبير هذا النزاع الإقليمي المفتعل، بفضل ما تتيحه من آفاق لتدبير الشأن المحلي في إطار السيادة المغربية، وبما يعزز الاستقرار والتنمية في المنطقة”.
بدورها، أكدت نبغوها دويهي، فاعلة جمعوية من مدينة العيون، أن “المجتمع المدني بالصحراء أصبح فاعلا محوريا في التنمية المحلية والدفاع عن القضايا الحقوقية والإنسانية”، مسلطة الضوء على “تدهور الأوضاع الإنسانية بمخيمات تندوف، وحرمان المحتجزين من حقوقهم الأساسية”.
وأوردت دويهي، في مداخلة مماثلة، أن الدينامية الاقتصادية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية، من خلال مشاريع كبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي والطريق السريع تيزنيت–الداخلة، تمثل رافعة حقيقية لتحسين مؤشرات التنمية وخلق فرص الشغل لفائدة الشباب، مضيفة أن “فضل هذا التحول يعود لإرادة سياسية واضحة تتطلع إلى جعل الصحراء المغربية مركزا للتقاطع بين إفريقيا وأوروبا”.
وشددت المتحدثة على أن الصحراء المغربية اليوم تعيش مرحلة جديدة قوامها الانفتاح والاستقرار؛ وهو ما جعلها قبلة لعدد متزايد من الزوار والمستثمرين، مؤكدة أن “النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية لبى الكثير من تطلعات الساكنة، وخصوصا النساء والشباب، من خلال مشاريع مهيكلة تنفذ بإشراف مباشر من المنتخبين المحليين، في انسجام مع مقتضيات الجهوية المتقدمة”.
وتعليقا على المسار السياسي، اعتبرت نبغوها دويهي أن تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية ليست إلا مسألة وقت، في ظل تزايد الدعم الدولي المتواصل لمبادرة الحكم الذاتي، التي تحظى بتأييد واسع على مستوى الأمم المتحدة، داعية الجزائر إلى التحلي بالمسؤولية والانخراط الجاد في المسار الأممي.

جدل دبلوماسي
أثار تدخل إحدى المناصرات للأطروحة الانفصالية، خلال اجتماع اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، موجة من الجدل داخل القاعة، بعدما تجاوزت مضمون الجلسة المخصص لمناقشة قضية الصحراء المغربية، وهاجمت بشكل مباشر رموز الدولة المغربية، في انتهاك صريح للأعراف الدبلوماسية وضوابط الاجتماعات الأممية.
وفي رد حازم، أخذت ماجدة موتشو، نائبة سفيرة المملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، الكلمة في إطار نقطة نظام، للتنديد بما وصفته بـ”التجاوز غير المقبول للخطوط الحمراء”، مؤكدة أن “المملكة المغربية لن تقبل بأي تطاول على مؤسساتها الدستورية أو رموزها السيادية”، لافتة إلى أن “المتدخلة المعنية لا تحمل أية صفة قانونية أو دبلوماسية تخول لها مهاجمة نظام دولة ذات سيادة داخل مؤسسة أممية”.
وفي هذا الصدد، تفاعلت الجزائر سريعا مع المداخلة المغربية، بطلب تطبيق المادة 71 من النظام الداخلي للجنة، معتبرة أن النقاش بدأ ينحرف نحو سلسلة من نقاط النظام التي قد تعطل سير الجلسة؛ فيما دعت جنوب إفريقيا، التي تناولت الكلمة لاحقا، إلى “التحلي بحسن النية”، مؤكدة على ضرورة فسح المجال أمام كافة الآراء، من مختلف الأطراف دون مقاطعة.
وتماشيا مع تحفظ المملكة، شددت رئيسة اللجنة على وجوب احترام النظام الداخلي، والالتزام بموضوع الجلسة دون المساس بسيادة الدول أو الخروج عن النقاش المخصص لنزاع الصحراء، مؤكدة أن “رصانة النقاش الأممي تستوجب التحلي بالمسؤولية والاحترام المتبادل”.
حري بالذكر أن نقاشات الجلسة، التي تابعت هسبريس أطوارها الكاملة، تسير في اتجاه ترسيخ مواقف متباينة داخل اللجنة، حيث يراهن الوفد المغربي على تقديم معطيات ميدانية موثقة حول التقدم التنموي والديمقراطي في الأقاليم الجنوبية، مقابل محاولات من خصوم الوحدة الترابية نقل النقاش نحو أطروحات تقليدية لم تعد تلقى ذات الصدى داخل الأوساط الأممية.