ضربة قلم
نعم، نحن في المغرب. بلد “الاستثناءات” السائلة والصلبة والغازية. في زمن الاستعدادات الجبارة لتنظيم “كأس العالم”، وفي الوقت الذي يُعاد فيه طلاء الواجهات، وتُشحذ فيه كاميرات الإعلام الرسمي لتصوير وجه الوطن البهيّ، هناك مدينة اسمها سطات، تعاني من أزمة عطش خانقة كأنها خرجت للتو من معركة ماء في نواكشوط!
والأكثر غرابة؟ أن هذا العطش ليس بفعل الجفاف، ولا بسبب ضربات مناخية من كوكب زحل، بل لأن “شركة جهوية متعددة الخدمات” (اسم أطول من لائحة الانتظار في مستشفى عمومي)، قررت أن تُثبّت مضخات جديدة “عالية الصبيب”… فحرمت الناس من الصبيب كله، عاليه وواطِيه!
المواطنون في سطات – وهم على ما يبدو “من سكان العالم الثالث داخل دولة تدّعي دخول نادي العشرين” – أصبحوا كالحجاج في موسم التزود بالماء، يملأون القنينات من الآبار، يطاردون الصنابير كما تُطارد فرص العمل، ويتوافدون على الحمامات الشعبية وكأنهم ذاهبون لأداء فريضة الغُسل الجماعي!
يا ناس، من المسؤول؟
كيف يعقل أن تتزامن أشغال الربط والتقوية مع الانقطاع الكامل؟
ألم يكن من الممكن التحضير بخطة بديلة؟ خزان احتياطي؟ شربة ماء تحفظ كرامة الإنسان؟ أم أن المواطن مجرد رقم مبلّل بالوعود الجافة؟
وفي خضم هذا الانقطاع، تصدر الشركة بلاغًا بوجه بارد تدعو فيه المواطنين إلى “ترشيد استهلاك الماء”!
ترشيد ماذا يا جماعة؟ هل نرشّد غياب الماء؟ هل نقتسم قطرة بين أسرة وأسرة؟ هل نحتسي الهواء على أمل أن يتحوّل إلى ماء بشفاعة كأس العالم؟
أما البلاغ فقد جاء بلهجة المنتصر:
“الأشغال ما تزال متواصلة إلى حدود الساعة، والضغط سينخفض إلى حد الانقطاع”…
أها، وهل هناك مستوى آخر بعد الانقطاع؟ هل ستصعد أرواحنا عطشًا إلى سدّ المسيرة؟
نحن لا نطلب معجزة. لا نطلب أنهار الأمازون ولا ينابيع الفردوس.
نريد فقط ماءً صالحًا للشرب. لا نريده للسباحة، ولا لسقي الحدائق اليابانية، بل فقط لنملأ كؤوسنا، ونغسل وجوهنا، ونستعيد شيئًا من الكرامة التي تبخّرت مع أول رشّة غياب.
ويا للعجب، في بلد يُبشرنا بكأس العالم، تجد في أحيائه من لا يملك كأس ماء!
فأي نفاق هذا؟ وأي انفصام هذا بين ما نروّج له للعالم، وبين ما نعيشه تحت جلودنا؟
فلتعلموا أن الوطن لا يُبنى بالملاعب فقط، بل بالقنوات. لا يُبنى بالمجسمات، بل بالمضخات الصادقة. لا يُبنى ببلاغات باردة، بل بخطط تحترم الناس قبل الإسمنت. أما من لا يستطيع تأمين الماء في القرن الواحد والعشرين، فكيف له أن يُدبّر دولة تتباهى بتنظيم تظاهرات كونية؟
الرسالة الأخيرة لمن يهمه الأمر (إن كان يهمّه فعلاً):
إننا في سطات نغلي، لا من الحر، بل من الغضب. وإننا لا نطلب المستحيل، بل نُطالب بحقّنا البسيط: أن نعيش كمواطنين، لا كلاجئين في وطننا.
فليُرفع الستار عن المسرحية، ولتُفتح الحنفيات، قبل أن ينفجر الشعب عطشًا بدل أن يحتفل بالمونديال.
تنبيه: الصورة وإن كانت تعبيرية، فإنها أقرب إلى واقع مدينة لها تاريخ وتحمل اسم سطات.