أخر الاخبار

"الأمير بوس بوس".. قصة مقتل أحد أكبر "الخونة" بتاريخ الثورة الجزائرية



صحيفة فرنسية تنقل على صفحتها الأولى نبأ مقتل علي شكال وسط الصورة مرتديا طربوشا

كان 26 ماي من سنة 1957 آخر يوم في حياة واحد من يوصفون في تاريخ الثورة الجزائرية بأنه واحدة من "أكبر الخونة" وعملاء الاستعمار الفرنسي هو عليّ شكّال  Emir Ali Chekkal .. وقد نجح الثوار بتصفيته في باريس وهو على بعد أمتار قليلة من الرئيس الفرنسي الأسبق روني كوتيي.

فمن يكون هذا الرجل وما المهمة التي الخطيرة التي كان مكلفا بها؟

شكّال.. المهمة الخطيرة


كان علي شكال، وهو من مواليد مدينة معسكر (غرب)، من القلائل الذين سمحت لهم السلطات الإدارية الاستعمارية بمواصلة تعليمهم، على عكس الجزائريين، الذين كانوا ممنوعين من تخطّي مرحلة الابتدائي وهذا بهدف تجهيلهم.

اشتغل شكّال محاميا وعُيّن نائبا بـ"المجلس الجزائري"، وهو البرلمان الذي أنشأته فرنسا الاستعمارية ويناقش شؤون الجزائر باعتبارها أرضا فرنسية فيما وراء البحار، حتى إنه وصل إلى منصب نائب لرئيس هذا المجلس.

بلغ شكّال من المراتب أسماها، فلقد عُيّن مندوبا لفرنسا في الأمم المتحدة، أما مهمته السياسية في الجزائر فكانت خطيرة جدا، وقد تمثلت في إقناع الجزائريين بالتخلي عن فكرة الثورة والبقاء تحت سلطة الاحتلال، وهي المهمة التي فشل فيها هذا الرجل، الذي كانت الصحافة الفرنسية تصفه بـ"أمير بوس بوس"، بسبب إدمانه على عادة تقبيل المسؤولين الفرنسيين.

رئيس نقابة المحامين ومندوب لدى الجمعية الجزائرية
رئيس نقابة المحامين ومندوب لدى الجمعية الجزائرية
 

مهمّة التحدّي


أما الرجل الذي كلّفته قيادة جيش التحرير الوطني بقتل علي شكال يُدعى محمد بن صدوق، وقد ولد في أغسطس 1931 بمدينة عنابة شرقي الجزائر.

بدأت مهمة تصفية علي شكال بوضع خطة ثورية كانت غاية في الخطورة والتحدّي، حيث قرر الثوار الجزائريون قتل شكال في باريس وفي مناسبة رمزية كبيرة بالنسبة للفرنسية، حتى يكون للعملية صدى أكبر.

تحدد تنفيذ العملية في ملعب "لاكولومب" بباريس خلال نهائي كأس فرنسا لكرة القدم، الذي جمع يومئذ ناديي "تولوز" و"أنجي"، بحضور الرئيس الفرنسي روني كوتيي.

اغتيال الخائن شكال

يوم الأحد 26 ماي 1957 نفذ الفدائي محمد بن صدوق، الذي كان يبلغ انذاك 27 سنة، عملية جريئة استهدفت الخائن علي شكال، عند المدخل الرئيسي لملعب “كولومب” (باريس)، في ختام نهائي كأس فرنسا لكرة القدم، الذي جمع فريقي “تولوز” و”أنجي”، بحضور الرئيس الفرنسي روني غوتي، ومحافظ الشرطة المجرم موريس بابون.

ورغم انتشار الحرس الرئاسي والبوليس السري والمخابرات في كل مكان فقد تمكن المناضل بن صدوق، من قتل الخائن شكال، أمام أعين الرئيس الفرنسي والوزراء المرافقين له.

"الأمير بوس بوس".. قصة مقتل أحد أكبر "الخونة" بتاريخ الثورة الجزائرية
محمد بن صدوق


يروي بن صدوق: ” توجهت بمفردي نحو ملعب كولومب بباريس، كان المسؤول محمد عيساوي، خارج الملعب يراقبوني من بعيد دون أن أنتبه له، كان من المفترض أن يقوم بمهمة اغتيال الخائن علي شكال، مناضل اخر لكنه لم يحضر للموعد فذهبت مكانه بأمر من مسؤول اتحادية جبهة التحرير بفرنسا المناضل محمد عيساوي.”

ويشير المجاهد، إلى أنه تحصل على المسدس الذي نفذ بها عملية إغتيال علي شكال من أحد المناضلين.

في هذا الشأن يقول: ” كنت أتغذى مع أحد المناضلين واخبرته إن كان بحوزته سلاحا يعيره لي فأجاب نعم، وسلمني المسدس الذي بقي بحوزتي عشرة ايام، وكنت فرحا بحيازة هذا المسدس”.

بعد انتهاء المباراة، أسرع الفدائي بن صدوق، للخروج قبل مغادرة الموكب الرئاسي من الملعب وغلق الأبواب لمنع المناصرين من الخروج، وهذا خوفا من تفتيشه والعثور على المسدس من نوع ماب 7-65 بجيب معطفه ويلقوا عليه القبض، خاصة وأن الملعب كان مكتظا بالجمهور، لكن الشرطة الفرنسية أغلقت الأبواب كي تسمح للرئيس الفرنسي روني غوتي، بالمغادرة.

يقول المجاهد بن صدوق: “مررت بالمنصة الرسمية شاهدت جمهورا غفيرا، كنت فضوليا، سألتهم لماذا انتم واقفون هنا، أجاب أحدهم: “ننتظر مشاهدة الرئيس عند مغادرته الملعب”، فقررت البقاء مع الجمهور لمشاهدته أيضا كفضول، فرأيته وهو يغادر وبجانبه جزائري بطربوش أحمر، وكان هو الخائن علي شكال، وكان معهم محافظ الشرطة للمقاطعة الفرنسية”.

ويضيف الفدائي: ” ركب الرئيس الفرنسي سيارته وبقي علي شكال، رفقة محافظ الشرطة موريس بابون، ورئيس بلدية باريس ينتظرون سيارتهم للمغادرة، ومن حسن حظي أن السيارة كانت ورائي مركونة في حظيرة الملعب، اقتربوا من السيارة شاهدت المناضل عيساوي، من بعيد اشار اليّ بحركة برأسه، لم أتمكن من إخراج المسدس من جيبي فضغطت على زناد المسدس من تحت سترة معطفي لتنطلق الرصاصة بطلقة واحدة فقط، وتصيب الخائن شكال في قلبه فيسقط ميتا بين يدي بابون ورئيس بلدية باريس”.

ويواصل المجاهد في سرد شهادته: “استدار المجرم موريس بابون، من خلفه فإنتبه الى أنني أنا الفاعل وأمر رجال الشرطة بتوقيفي، فأنهالوا علي ضربا، وعثروا على المسدس، الذي قتلت به شكال، في جيب معطفي أخذوني الى مركز الشرطة، أين خضعت للإستجواب”.

اغتيال علي الشكال في كولومب بالقرب من باريس (1957)
اغتيال علي الشكال في كولومب بالقرب من باريس (1957)


وعندما سأل الفدائي محمد بن صدوق، لماذا لم يقتل الرئيس الفرنسي روني غوتي، رغم أنه كان بجانب الخائن شكال، كان جوابه أن جبهة التحرير الوطني كلفته بمهمة محددة وهي قتل الخائن علي شكال لا غير.

نشرت الحادثة في الصحف الفرنسية والعالمية وصور إعتقال الفدائي محمد بن صدوق، حيث أحدثت ضجة عالمية، وسارعت فرنسا إلى محاكمة المجاهد بن صدوق، الذي وضع في السجن كسجين الحق العام وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، لكن أطلق سراحه مباشرة بعد استرجاع السيادة الوطنية.

بن صدوق: أوامر الثورة


يقول منفّذ العملية محمد بن صدوق في شهادته "كان علي شكال غير بعيد عن الرئيس الفرنسي لحظة نهاية المباراة وانصراف الجمهور، فترصّدته ولم يكن بعيدا عن الرئيس الفرنسي، لحظتها اقتربت منه على بعد متر ونصف وبسرعة أخرجت المسدس ورميته برصاصة واحدة استقرت في رأسه".

فورا ألقت الشرطة الفرنسية القبض على بن صدوق واقتيد إلى التحقيق، وعندما سأله المحققون لماذا لم تقتل الرئيس أجاب "أوامر الثورة أن أقتل شكّال فقط!"

حُكم على بن صدوق بـالأشغال الشاقة مدى الحياة، لكنّه لن يكمل العقوبة لأنه سيغادر السجن مباشرة بعد الاستقلال، ولايزال حيا إلى اليوم ويحظى بعديد التكريمات في الجزائر كونه أحد أبطال الثورة، بينما وصفه الصحف الفرنسية يومها بـ"الإرهابي"، وهو وصف كانت تطلقه على أي ثائر ضدها.

المصدر: 
أصوات مغاربية
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-