أخر الاخبار

تبون وبوتفليقة وعلاقتهما بالمؤسسة العسكرية ..مقارنة بين الرجلين

 





هل يدخل تبون في مواجهة الجنرالات كما فعل بوتفليقة ؟؟
مقارنة بين بوتفليقة وتبون

أولا : #بوتفليقة_والجنرالات

 بداية الحكاية

منذ أول اتصال بين قيادة الجيش وبوتفليقة  سنة 1992 كانت تظهر ملامح شخصية رئيس متمرد صعب المزاج لا يمكن ترويضه بسهولة  ، عُرض على بوتفليقة  وقتها أن يكون عضوا في المجلس الأعلى للدولة ولكنه رفض لأسباب مجهولة ، عاود القادة العسكريون عرض الفكرة عليه  سنة 1994 ولكن الرجل كان يحرص أن يظهر بصورة المتمنع الذي لا رغبة له في السلطة وفوق ذلك يملي شروطه... 5  دقائق فقط كان من المزمع أن يحضرها في ندوة الوفاق الوطني التي جرت  في نادي الصنوبر يومي 24 و25   كانت حائلا بينه وبين  منصب الرئيس ،  بوتفليقة كان مصرا على أن يتم تعينه من طرف المجلس الأعلى  للدولة ....!!


بوتفليقة أصرّ على موقفه رغم إلحاح  قيادات الجيش وغادر بعدها إلى سويسرا بغير رجعة ،  تفكير قيادة الجيش في بوتفليقة مرة ثالثة سنة  1998 (بعد إعلان زروال تنحيه عن  السلطة )  لم يأت من فراغ  ، كاريزما وقوة شخصية  وعناد  كبير هي خصال في بوتفليقة قد تعيقهم و تتعبهم بعض الشيء ولكن تنقذهم من مأزق كبير،  الجنرال خالد نزار عندما سمع بما انتهى إليه رأي الرفقاء من الاستعانة ببوتفليقة مرة أخرى  قال لهم : "انتم مجانيين ..."!!


قدوم بوتفليقة إلى الجزائر وقبوله مبدئيا فكرة الرئاسة لم يكن أمرا محسوما بالنسبة له  فقد ظل الرجل إلى آخر لحظة يساوم ويشترط ويهدد .......صبيحة الخميس 8 افريل  سنة 1999 انسحب المرشحون الستة من سباق الرئاسة ....ثارت ثائرة بوتفليقة وقال انه لن يقبل بالمهمة إلا في إطار مشاركة واسعة للشعب الجزائري ، وامتعض مرة أخرى لأنه  علم  بان النسبة الممنوحة له هي 53 بالمائة وهي نسبة ضئيلة ومهينة لمرشح خاض الانتخابات بلا منافس بحسب رأيه  وهو ما جعله يهدد بالعودة إلى بيته إن لم ترتفع النسبة!!


بعد مفاوضات عسيرة  مع الجنرال توفيق  تم الوقوف عند رغبته ورفعت النسبة إلى 74  بالمائة  ليعلن بوتفليقة رئيسا بعد مخاض عسير....


انقلاب بوتفليقة على الجيش


في ظل المعطيات السابقة نكتشف أن أي خلافات ستطرأ بين قيادة الجيش و بوتفليقة  بعد تنصيبه رئيسا ستكون منطقية ومبررة بل أن فرضية الصدام حتمية ، بوتفليقة ليس الرجل الذي يقاد بسهولة والجنرالات لن يقبلوا برئيس يحيلهم إلى الهامش ، الذي ساوم وتمنع وتفاوض واختلف وهو ليس رئيسا  بعد ، لا يعقل أن يستكين ويخضع لرغبة الجنرالات وهو رئيس حتى وان كانوا أصحاب الفضل عليه ، إلا أن بوتفليقة كان قد أعطاهم رسالة واضحة :" لن أكون دمية تحركونها كيفما تشاءون "


خطابات الرئيس مباشرة بعد بداية ممارسة مهامه كانت تترجم حالة الصراع مع العسكر ...بوتفليقة كسر جميع الطابوهات  واستعمل  خطابا شعبويا  يدغدغ مشاعر الجماهير والمصيبة أنه دعا الجميع لمشاهدة فيلم " البطل يصارع الجنرالات  " (على غرار خطاب تيزي وزو الشهير )


بوتفليقة لم يكن يعبأ بأن  يخرج خلافاته مع الجيش إلى العلن ، في الوقت الذي كان يحرص فيه الجماعة في السابق  على إبقاء خلافاتهم وصفقاتهم واتفاقاتهم في إطار ضيق ، يختلفون ويتفقون ويقررون  بدون أن يسمع بهم  أحد  ،لأن ذلك يعد سرا من أسرار الدولة ويمس هيبتها حسب زعمهم ...


بوتفليقة كان يهدد   جنرالات الجيش  ويقرع آذانهم بخطابات يمجونها ويمقتوها على مرأى ومسمع الجماهير ويقول : " سأعود إلى   بيتي  "  و " لن اقبل أن أكون ثلاث أرباع رئيس  "وكان قد هددهم بالرجوع إلى بيته  حتى قبل أن يصبح رئيسا  ...الحكومة الأولى للرئيس تأخر الإعلان عنها قرابة 8 أشهر ...، صحيفة فرنسية  مع نهاية سنة 1999 نشرت خبرا عن مصادر ديبلوماسية مفاده أن الرئيس اشتكى لمسؤولين فرنسيين صعوبة تشكيله للحكومة بسبب تدخلات الجيش ....!؟


سوابق الجيش مع بوتفليقة جعلتهم يعتقدون ويقتنعون انه رجل لا يُؤتمن جانبه ولا يمكن الوثوق به  ويمكن أن يفعل أي شيء لم يكونوا يعملون له حسابا ، وبالتالي وجب التعامل معه بحذر ، لكن أن يصل ببوتفليقة ان يطرح مشاكله مع الجنرالات  على الشعب ويصل به الأمر إلى تدويل خلافاته معهم فهو الأمر الذي لم يتوقعوه!؟


رسالة بوتفليقة  وصلت إليهم :" أنا لا يهمني أي شيء سأهدم المعبد فوق رؤوس الجميع ..." كانت الخشية كل الخشية  أن  يمتطي  بوتفليقة الطائرة و يغادر  بغير رجعة وكان قد فعلها سابقا  فتتعزز الاتهامات لهم بأنهم يغتالون الرؤساء ويبعدونهم( الشادلي بوضياف زروال)


بوتفليقة استغل  حالة التوجس التي ميزت ردة فعل قيادات  الجيش والذين ظهروا وكأنهم سقط في أيديهم ، بدأ بفرض تصوراته في بعض القضايا من غير الرجوع لقيادة الجيش ، زرع رجالاته في جميع مفاصل الدولة لسيما الحساسة منها ، رحلاته المكوكية لدول العالم أعطت الانطباع أن الرجل يبحث عن مصداقية مفقودة تكون سندا له في حربه على الجنرالات ،  وهذا بعد ان نجح في افتكاك شرعية شعبية بفعل خطاباته الصريحة والصادمة ، وقد كان بوتفليقة بارعا  في استمالة الشعب لصفه و في استدعاء زمن بومدين مضمونا و أداء فقال عنه الجزائريون : " فيه ريحة بومدين "


الجنرالات من جانبهم كانوا بين خيارين أحلاهما مر : القبول بتغوّل بوتفليقه  وتغلغله في مفاصل الدولة  على تبنى خيار حل انتحاري يعني نهايتهم وتوريطهم مرة أخرى ...كانت الظروف أكثر من مساعدة لبوتفليقة ليفرض منطقه على الجيش ، مؤسسة الجيش في هذا التوقيت  كانت تتحمل تبعات كل البلاوي  التي حدثت في البلد  : انفلات أمني  ، اقتصاد منهار ، شرعية غائبة ،  شعبية متآكلة ، بلد ملتهب على جميع الأصعدة  ...كان دور بوتفليقة أن يُخرج مؤسسة الجيش من المأزق ، ولكن لم يكن ليقبل هدية مسمومة لولا أنه انتزع في مقابلها مزيدا من الصلاحيات وحرية الحركة....


أبرز قيادات الجيش كانت ترى بوتفليقة وهو يخرق الاتفاق  معها ، ربما كانت تنزعج ولكن أهم شيء بالنسبة لها هو أن لا يمس بأهم بند في الصفقة وهو "الخروج الآمن " الأمر الذي كرسه بوتفليقة  لاحقا  بتحصين الجنرالات من المساءلة في ميثاق السلم والمصالحة...


مرت  الأيام والعهدة الأولى  للرئيس تدلف نحو النهاية ، لم يكن من صقور المؤسسة العسكرية كخالد نزار ومحمد العماري   إلا استغلال الانتخابات الرئاسية سنة 2004 لإسقاط بوتفليقة  .. هي  الحل الوحيد والأخير والممكن ! لم يجدوا أحسن من بن فليس ليقضّ مضجع بوتفليقة وليعيد لهم لم ملكا لم يحافظوا عليه كقادة للجيش ...من جانبه الرئيس بوتفليقة استمال بعضا من الرفاق ...الرجل القوى في المخابرات الجنرال توفيق والعلبة السوداء المرحوم العربي بلخير ..انقسام الجيش كان مؤذننا بصدام عنيف ، ولكن الجماعة اتفقوا على ان يكونوا ديمقراطيين لأول مرة في حياتهم ... !!  يا للروعة سيحسم الشعب و يفصل الصندوق ( طبعا فيما بينهم فقط ) خطوة عبر عنها الفريق العماري بتصريحه الشهيرعشية الانتخابات  :" سنقبل بنتيجة الصندوق حتى وان جاءت بعبد الله جاب الله كرئيس... "!  لأول مرة يصرح مسؤول عسكري رفيع المستوى  بهذا التصريح ولم يكن من ورائه تبيض صورة رئيس مترشح  بقدر ما هي تهديده : "لن نزوّر لك ولن نحميك  هذه المرة"


نسبة 84  بالمائة التي حصل عليها الرئيس المترشح كانت تبدو منطقية قياسا بالشعبية التي اكتسبها الرئيس خلال عهدته الأولى ، والتي عززها بتحسن الأوضاع الأمنية والخطاب التصالحي الذي تبناه ، ولكنها كانت صادمة لخصومه من العسكر ، فلم يلبث ان استقال العماري من منصبه بُعيد الانتخابات مباشرة وهو أكبر اعتراف بفشل المواجهة مع بوتفليقة.
( مقتطف من مقالة بوتفليقة والجنرالات نشرتها بتاريخ 15 سبتمبر 2012)

ثانيا: #تبون_والجنرالات:

قبل أن نحدد علاقة الرئيس بالمؤسسة العسكرية علينا أن نطرح مجموعة من الأسئلة :
هل تم فرض تبون كرئيس للجمهورية ، وهل حقق خيار تبون الاجماع داخل المؤسسة العسكرية ؟؟
هل يملك تبون نفس كاريزما بوتفليقة التي تسمح له بالتخلص من وصاية الجنرالات؟؟وما هي مؤشرات ذلك ..؟؟
هل قررت المؤسسة العسكرية الانسحاب النهائي من المشهد السياسي و فضلت النأي بنفسها عن دخول معترك الصراعات السياسية ؟؟
أين يمكن ادراج التغييرات الأخيرة على مستوى المؤسسة العسكرية؟؟ هل هي تعبير عن إرادة حرة منفلتة من أي وصاية أم في إطار محتدم داخل السرايا أم بموائمات وتفاهمات من جميع الأطراف ...؟؟؟
في الحلقة الثانية نحول الاجابة على هذه الأسئلة

..................................................... يتبع......
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-