أخر الاخبار

حقيقة العلاقة بين الرئيس بوتفليقة والفريق محمد مدين

 


حقيقة العلاقة بين الرئيس بوتفليقة والفريق محمد مدين :

بوتفليقة والجنرال توفيق ..الصراع المستحيل ..


ظلت العلاقة بين الرئيس  بوتفليقة و قائد المخابرات الفريق محمد مدين والمدعو  بالجنرال توفيق خاضعة للعديد من التأويلات والتفسيرات المتضاربة ،  ولم ترس على طرح معين خاصة في الأشهر الأخيرة ، فبين الحديث عن تحالفات مرة ، و تشنجات مرة  ، وصراعات ونزاعات  في مرات عديدة  أخرى ...ضاعت حقيقية ما يجرى في  أعلى هرم السلطة بين كبار اللاعبين ... !
عندما أجرى بوتفليقة تغييرات على مستوى جهاز دي أر أس  ، ذهب الكثيرون  إلا أن هناك صراع مكشوف بين بوتفليقة والجنرال توفيق ، وعندما استهدف عمار سعداني الجنرال توفيق  بتلك التصريحات النارية ، قالوا أن بوتفليقة منزعج من  الجنرال توفيق الذي يبدو وأنه ضد ترشحه لعهدة رابعة وهذا  تزكية لكلام سعداني وتصديقا له ، و هو  الذي لم يقبلوا منه كلاما يوما ، وعندما تهجم هشام عبود على السعيد بوتفليقة جزموا بأن  ذلك يتم في سياق الحرب الدائرة  بين مؤسسة الرئاسة وجهاز المخابرات وزعموا أن هشام عبود ليس سوى أداة في يد الجنرال توفيق  يستخدمها في معركته مع بوتفليقة  ..و في نفس السياق وضعت تصريحات الجنرال حسين بن حديد التي وقف فيها إلى جانب توفيق وانتقد بوتفليقة وشقيقه السعيد والفريق قايد صالح ..؟!
منشأ هذه التفسيرات والقراءات المغلوطة  ، بحسب رأيي المتواضع ،  راجع إلى سببين رئيسيين:  الأول  غياب المعلومة الحقيقية يفسح المجال للخيال الواسع لملء الفراغ ، مع وجود الرغبة في الإغراب  والإثارة ، كما أنها استغلال لنوازع  النفس البشرية التي يبدو أنها مجبولة على سماع الغرائب وتصديقها ..ثانيهما : البعض يتصور أن الحديث عن  الصراعات والخلافات و التشنجات في أعلى هرم السلطة ، يفت في عضد النظام ، ويضعف شوكته ، ويخدم قضية معارضته ...
المشكلة  أن الحديث عن أي علاقة متوترة بين بوتفليقة وتوفيق وبين الرئاسة والمخابرات لم يدعمه  أي   دليل ملموس ولم يثبته أي معطى في الميدان ولا تسنده  أي شواهد  منطقية أو واقعية .. إلا أن البعض يصر على استحضار هذا  الصراع الموهوم ويبني على أساسه حكايات و وأساطير  ...والمصيبة أن الحديث بهذا الشكل المبالغ فيه عن وجود صراع بين الرجلين والمؤسستين سينسي الجميع  استمرار النظام البوتفليقي لخمس سنوات أخرى ..

رسالة بوتفليقة تعيد توزيع الأوراق

الرسالة التي بعث بها بوتفليقة للفريق قايد صالح أعادت الأمور إلى نقطة الصفر ، أو بالأحرى إلى نقطة الانطلاق ،  بل وجعلت العديد من التحليلات والتخمينات مصيرها سلة المهملات ، بعد أن ظلت مذ تصريحات سعداني مسلمات وحقائق لا تقبل النقاش ، بوتفليقة المعروف بدهائه ومكره لم يشأ أن يتخندق مع أحد طرفي الصراع المفتعل ،  وحاول أن يكون حكما بين المؤسسات،  فمن جهة  ظهر  مدافعها ومحاميا عن مؤسسة الجيش ، وفي نفس الوقت تحاشى أن يصدم مريديه من دعاة العهدة الرابعة  ، ويجرح مشاعرهم  ، كلام بوتفليقة الماكر ضمن به ولاء جميع الأطراف،  إلى درجة أن الجميع فهم أن بوتفليقة لا يقصده بكلامه والجميع فهم أن بوتفليقة يدافع عنه ، و فهم الجميع أن بوتفليقة ليس ضد أي احد ولا مع أي احد .. ؟!
رسالة بوتفليقة أيضا أكدت أنه لا يقف وراء الحملة التي استهدفت الجنرال توفيق ، وقد سبق و أن أشرت لهاته المعلومة غداة الضجة التي أثارتها تصريحات سعداني (* ) وقلت حينها أن الإيعاز باستهداف الجنرال توفيق لم يأت من جهة الرئيس شخصيا ، وقلت أن بوتفليقة متمسك بقائد المخابرات وأن الحملة التي استهدفت الجنرال توفيق مصدرها محيط الرئيس ( شقيقه على وجه التحديد )  في الوقت الذي تعمقت في العديد من التحليلات وغاصت كثيرا في تحليل صراع مستحيل منطقيا وواقعيا ...
في مقالات سابقة ذكرت مجموعة من الحقائق قد ترسم حدود العلاقة بين بوتفليقة والجنرال توفيق وربما تكون رسالة بوتفليقة الأخيرة كاشفة  لحقيقة العلاقة  بين الرجلين والتي يبدو أنها  لم تتأثر بحملات التشويه والمزايدة ففي مقالات " أسطورة الجنرال توفيق " و"هل هي نهاية أسطورة الجنرال توفيق" " و "بوتفليقة على خطى مبارك " (**)  ذكرت بعض المعلومات والتي تعكس ربما مدى ارتباط الرجلين ببعضهما وعدم تفكير أحدهما في الانقلاب على الآخر :
- الجنرال توفيق كان من أشد المتحمسين لبوتفليقة ،  وليس أدل على  ذلك جلوسه سبع ساعات كاملة من أجل إقناع بوتفليقة بمنصب الرئيس في سبتمبر  سنة 1998 خلفا لليامين زروال المستقيل  في ربيع نفس السنة...
- اُستنجد بالجنرال توفيق   (من طرف النواة الصلبة )في آخر لحظة  من اجل إقناع بوتفليقة بالعدول عن فكرة الانسحاب المفاجئ بعد أن هدد بها  في نفس  يوم الانتخابات الرئاسية  14 أفريل 1999  و بعدما انسحب المرشحون الستة  في الصبيحة ،أين   طالب بوتفليقة  في منتصف ذلك اليوم  أن تكون نسبة الفوز أكثر من  النسبة التي تحصل عليها زروال سنة 1995 وإلا سيعود إلى بيته كما قال..
- ثقة بوتفليقة تعززت أكثر في مدير المخابرات بعد أن وقف إلى جانبه سنة 2004 متحديا كبار القادة في الجيش ( خالد نزار ، ومحمد العماري..) ليحقق نصرا كاسحا على مرشح الجيش الفعلي علي بن  فليس ،  بوتفليقة  عادة ما  يفضل رجال الثقة على رجال الكفاءة  ، ولذلك نجده  يتمسك ببعض  رجاله ووزرائه في مناصب تنفيذية واستشارية رغم الجدل الذي  يثرونه  على مستوى الأداء  ، مما   يشي بأنه  رجل وفيٌ لرجالاته ولا يتخلى عنهم بسهولة وهو أمر انطبق على الجنرال محمد مدين .
- بوتفليقة هو من استخدم الجنرال توفيق،  فالجنرال توفيق هو من رجال الرئيس وليس بوتفليقة  من رجال توفيق،   ولعل سر الخلط الحاصل هو أن  محمد مدين الرجل الوحيد  من القيادة الأمنية  الذي بقي في منصبه منذ سنة 1990 كمدير للمخابرات ،  وهو سبب توهم الكثيرين  ،  الأمر الذي عزز الشائعات حوله وأدى إلى  خلق  أسطورة الجنرال الخارق الذي لا يقهر ، أسطورة  صنعها الإعلام وضخمتها المعارضة ، رغم أن احتفاظ  الجنرال توفيق بمنصبه أكثر من مبرر فبوتفليقة أردا مجازاته على ولائه التام ...والاستعانة بخدماته طالما انه رجل ثقة .
- بوتفليقة أعطى الورقة البيضاء للجنرال توفيق في تسيير  الملف الأمني والعسكري ، إلى درجة أن بوتفليقة كان  لا يعين ولا يعزل ولا يقرر في المجال الأمني و العسكري  إلا إذا استشار الجنرال توفيق هذا ليس من باب الوصاية ، بل من باب الثقة في الفريق محمد مدين والاعتراف بقدراته  و إحاطته ودرايته بالملفات الأمنية والعسكرية ، و باعتباره أيضا  أقدم مسؤول في المؤسسة العسكرية ..
-  إدارة الدولة بقطبي الرئاسة و الدياراس ، كان من باب الاستخدام الاستراتجي لجهاز الدياراس من طرف الرئاسة ،  وليس من باب الندية ، وهو ما عبرت عنه سابقا بالحلف المقدس ، تحالف فرضته تداعيات الأزمة الأمنية ، هذا التحالف فقد بعض مبررات وجوده تزامنا مع تحسن الأوضاع الأمنية وبالتالي غياب الهاجس الأمني في تسيير بعض الملفات،  وبالتالي منطقيا تقلص مساحات لعب الدياراس ..
- مع الصلاحيات التي أعطيت للفريق مدين في الشق الأمني ( والتي تقلصت لاحقا) فان أمر تسيير الدولة من الجانب السياسي كان شأنا خاصا ببوتفليقة .
- الفريق مدين لم تكن له أي طموحات سياسية  ، ولم يكن يهمه أن يستأثر ببوتفليقة بالحكم ، بدليل أنه لم يعترض على أي خطوة كرست اختزال الدولة في شخص بوتفليقة ، وخاصة بعد تعديل الدستور في 2008 ،  ولو كان للفريق مدين أي نية في فرض نوع من التوازن أو الاحتفاظ ببعض النفوذ حتى يستخدمه للمناورة لجعل لذلك سبيلا ،  ولأبدى اعتراضا على عملية تأميم الدولة لحساب بوتفليقة وحاشيته ، وبالتالي كان توفيق مشرفا على عملية تسليم الدولة بأكملها لبوتفليقة وجماعته ، ولم يبد أي مقاومة بعد تسليم مفاتيح الدولة بشكل تدريجي  لبوتفليقة ، بعدما كانت في يد النواة الصلبة ، هذا الأمر  أعطى الحرية الكاملة لبوتفليقة في التعيين والعزل (على سبيل المثال عين بوتفليقة الفريق القايد صالح سنة 2004 قائدا للأركان خلفا للعماري و القايد صالح موالي لبوتفليقة )
- التغييرات التي أجراها بوتفليقة  على جهاز الدياراس ، تعد تكريسا للصلاحيات اللامحدودة التي يملكها ،  والتي لا يمكن لأي شخص في الدولة مهما علت مرتبته أن يقف في وجهها ..
من خلال هذه المعطيات نستنتج ما يلي :
- علاقة بوتفليقة بالجنرال توفيق علاقة رئيس مع مرؤوس في الجانب المهني الوظيفي الدستوري ، فالجنرال توفيق يعمل تحت سلطات بوتفليقة  ولا يمكن له العمل خارج حدود وظائفه الدستورية  ، ولرئيس الدولة أن يقيل أي موظف في الدولة يعمل تحت سلطته من الناحية الدستورية بمجرد مرسوم ، فبوتفليقة الذي استثني الجنرال توفيق من تطبيق المادة 20 من قانون المستخدمين العسكريين ( والتي تنص على إلزامية إحالة من يملك رتبة فريق في الجيش على التقاعد إذا جاوز سنه 64 سنة أو قضى 42 سنة في الخدمة ) فبتوفليقة الذي خص بعض كبار القادة بهذا الاستثناء من تطبيق القانون وسمح لهم بالاستمرار في مناصبهم   ( من بينهم القايد صالح والجنرال توفيق ) يمكنه أيضا  أن يلغي هذا الاستثناء ويحيل من يشاء على التقاعد ..
- علاقة بوتفليقة بالجنرال توفيق من الناحية الإنسانية يمكن الحكم عليها بأنها لا تزال وطيدة ولم تتأثر بالاستقطاب السياسي ، بدليل أن توفيق احتفظ بمنصبه طيلة  هذه المدة ( تقريبا هو من المسؤولين القلاقل الذين عايشوا بوتفليقة خلال عهداته الثلاث ) كما  أن الرئيس بوتفليقة رفض إحالة توفيق إلى التقاعد ، بل ورفض قبول استقالته أكثر مرة واضطر الرئيس للخروج عن صمته للدفاع عن قائد المخابرات، رغم أن كسر بوتفليقة لحاجز الصمت كان منتظرا ومطلوبا  منذ وقت طويل وفي قضايا أهم ..
-عمليا الجنرال توفيق ليس ضد العهدة الرابعة ، ولا يمكنه أن يقف عائقا في وجه بوتفليقة إن أراد البقاء في الحكم ، حتى وان كانت  له الرغبة  في منع بوتفليقة من الترشح لعهدة رابعة فلا يمكنه التعبير عنها فما بالك بالعمل في إطار ذلك ..
- وبالتالي ما يمنع بوتفليقة أو بالأحرى ما يحول دون إقالته  الفريق مدين  هو العلاقة الشخصية الوطيدة بين الرجلين فثقة بوتفليقة في  الفريق مدين هي من تمنعه من إقالة الفريق مدين ، وليس صحيحا ما يقال بأن أسباب عدم  إقالة الجنرال توفيق قد تكون  ملفات يملكها قائد المخابرات قد يستخدمها ضد بوتفليقة و حاشيته وهذا الأمر يبدو مثيرا للضحك :
المتعارف عليه أن أي ملف يستمد قوته من ثلاث أشياء :  قوة المنظومة الإعلامية التي تتبنى الملف والقضية   و من استقلالية القضاء ونزاهته  و ثالثا من فعالية الأجهزة الرقابية والصلاحيات التي تملكها  فكيف يتم الحديث عن مجرد ملفات تسقط رئيسا ونظاما حاكما والحال أن  جميع الهيئات والأجهزة والآليات معطلة أو مؤممة لحساب بوتفليقة ، وبالتالي فهي عديمة القيمة ..؟؟  يمكن أن تتحدث عن ملفات تسقط رؤساء وحكومات في دول تعترف بالمؤسسات وتفصل بين السلطات وتحترم القانون وفي النهاية لديها رأي عام كفيل بأن يحاكم أي فاسد يتورط في قضايا فساد امام محكمة الشعب ( الرئيس الألماني استقال لمجرد اتهامه في قضايا فساد ) أما عندنا فأقصى ما يمكن أن تستخدم الملفات فعلى صعيد إعلامي فحسب ...بدليل أن ملفات أخرى أخرجت إلى العلن تخص بعض المقربين من بوتفليقة ولكن تم التعامل معها على أنها حرب إعلامية تندرج في سياق المكايدة السياسية ، ولم تصل إلى القضاء ،و القضايا التي وصلت إلى  القضاء لم يتم التعامل معها  بالجدية المطلوبة ، ولم تمس شخصيات ذات وزن(قضية شكيب خليل على سبيل المثال ) فأي ملف مهما كان صفته ومصداقيته مرهون بوجود دولة القانون و  إرادة سياسية لمتابعته ..فلا قيمة لأي ملف في ظل إعلام مدجن وقضاء مسيس  ورأي عام غير مؤثر بل منعدم
لقد قلت سابقا أن جهاز المخابرات جهاز معلوماتي تقريري مهمته جمع المعلومات وإعداد التقارير يفتقد لآليات استخدام القوة وبالتالي إنفاذ القرارات هو جهاز في الغالب يتبع الرئيس أو رئيس الحكومة أو وزير الدفاع قوته قاصرة على تدوير الملفات وقد تستخدم استخداما خطيرا ويبقى تأثيرها قاصرا في الجانب الإعلامي وقد تسبب أضرارا سياسية وقد تسهم في هشاشة موقف المستهدف بالملفات ولكن ينعدم تأثيرها إذا افتقدت لأدوات قضائية وتنفيذية وإعلامية ...
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-