لا شك أن كتابة مقالة عن قائد المخابرات لم تكن شيئا عاديا ،المفارقة أنني لم اكتشف ذلك إلا بعد أن كتبت المقالة ونشرتها في مدونتي الخاصة ..حجم الإقبال ، وحجم التفاعل (وصل عدد القراءات إلى عشرين ألف وهو رقم كبير في عالم المدونات الخاصة )وحجم الاقتباس من المقالة رغم (أن البعض لم يكن أمينا ونزيها في الاقتباس و النقل) (1)..كل ذلك جعلني أصل إلى قناعة مفادها أن الحديث عن الرجل اللغز ليس بالأمر الهين ، وأن الكتابة عنه حتى بدون انتقاده قد تصل إلى درجة صعوبة طلب لقاء معه ، أدركت أهمية الحديث عن الرجل الغامض واعتباره شيئا خطير لدى الكثيرين ، وقد يؤدى ذلك إلى عواقب غير محمودة بحسب اعتقادهم ..
قصتي مع الجنرال توفيق
أمر جعلني أكتشف بصفة لاحقة أن" مقالة أسطورة الجنرال " توفيق التي نشرت في أوائل سنة 2013 كانت أول مقالة من داخل الجزائر تكتب حول شخصية الجنرال توفيق وحول حقيقة الهالة المصطنعة بشأنه ، والعبد الضعيف أول كاتب من داخل الجزائر ينشر ما يعتقد بأنها صورة للفريق مدين ، فلم يتجرا أي كاتب باسمه الحقيقي ـ وليس المستعارـ أو صحيفة على نشر صورته بل حتى على ذكر اسمه (2)


عندما فكرت في كتابة مقالة حول الجنرال توفيق ـ وهي فكرة راودتني منذ سنوات ـ اصطدمت بعائق غياب المعلومات في ظل شح المقالات التي تحدثت عن "الماجور" وحتى القليل منها كان تغيب عنه الدقة وسمتها التحامل وانعدام الموضوعية وأغلبها لمعارضين في الخارج أو لضباط منشقين وبأسماء مستعارة ..ومؤداها أيضا يؤسس لفكرة الرجل الخارق الذي يدير الأمور من خلف الستار..الرجل الذي يقف وراء كل شيء ، هي مقالات أسست لأسطورة الجنرال توفيق وقد تأكد مع مرور الوقت أن ما تضمنته من معلومات مجرد تخمينات تكذبها وقائع وشواهد كثيرة وهي في نهاية الأمر تناقض جوهر ما أردت إيصاله للقراء .. وضد ما كنت اعتقده وأسعى إلى ترسيخه في أذهان الناس حتى لا يؤمنوا بالبعبع فيخافوا ويستكينوا ويهلعوا ويفزعوا وحتى يكفوا عن تسليم عقولهم لمهرطقين لا يزالوا يستغفلونهم بقصص الأشباح والعفاريت ...
قلت إنني لم أجد أي مقالة تتحدث عن الرجل كتبها صحفي جزائري تتناول سيرته وغموض أدواره ومدى صحة ما يثار من تأثيره في صناعة القرار وربما تفسر احتفاظه بمنصبه طيلة هذه المدة ..و ربما تناقش سر هذه الهالة المحاطة حوله ، فمن خلال نأي الإعلام بنفسه عن مجرد مناقشة - وليس انتقاد- دور الرجل الغامض وتوجسه حتى من مجرد ذكر اسمه ولو بصفة عرضية فما بالك بتخصيص مقالة تتحدث عن شخصيته الغامضة والأسطورية كل ذلك جعلني أتساءل كثيرا : لما يخشى الإعلاميون الحديث عن الجنرال توفيق و لما كل هذا التوجس والرعب.. هل آمن الإعلاميون بالجنرال توفيق كرب للجزائر ..؟؟
المعلومات التي استقيتها حول شخصية الرجل كانت شحيحة، وأغلبها رشحت من خلال كتابات لإعلاميين من خارج الوطن ومعظمها بأسماء مستعارة ، وحتى صورته الوحيدة التي كانت متداولة (الصورة المرفقة بمقالة الجنرال توفيق) لم يكن يجرؤ أي شخص على نشرها اللهم ما نشرته مواقع تابعة لمعارضين من الخارج أو مواقع إعلامية يديرها أصحابها من خلال أسماء مستعارة وبلا هوية تقريبا كما سبق وأن أشرت آنفا ..
في حدود علمي ،لم تكن هناك موانع قانونية من نشر صورة للجنرال توفيق ،اللهم إلا إذا كانت تعليمات سرية ، كما لم تكن هناك نصوص أو محاذير تحول دون ذكر اسم الجنرال أو تناول شخصيته وموقعه في صناعة القرار ومهامه بالبحث والدراسة .. والسؤال الذي يطرح تبعا لذلك كله : ..لما جبن الإعلام كل هذه المدة ..؟؟ولم يصبه إسهال المقالات كما أصيب به هذا الأيام وبعد تنحية التوفيق..؟؟
يقال إن أول صحفي نشر صورة الماجور في عز الأزمة الأمنية تعرض للاغتيال ، كما تعرضت الجريدة للغلق و هو الأمر الذي فهمه الكثيرون على أنها اللعنة التي تلحق كل من اقترب من سيرة الرجل ، قد يكون اغتيال الصحفي وغلق الجريدة مباشرة بعد نشر صورة الفريق محمد مدين مجرد مصادفة ، ولكنها أرعبت الصحفيين ووسائل الإعلام وطبقت المثل الشعبي "ابعد عن الشر و غنيلوا "وهي من الأمور التي عززت وصنعت أسطورة رب الدزاير...
نماذج من التحاليل الخائبة
غادر "الماجور" مبنى بن عكنون بالطريقة التي سمع بها الجميع ، ولم يعرفوا تفاصيلها ، إقالة أم استقالة ..؟؟إبعاد أم استبعاد..؟؟ بقيت الأسئلة مطروحة ، ولكن الجميع بقي متمسكا برأيه.. فمن قال انه رحيل بسبب الصراع الذي دام سنوات.. أدرجه في سياق نهاية هذا الصراع وحسمه لصالح أحد أطرافه ..ومن كان يعتقد بعدم وجود صراع اعتبره رحيل عادي لموظف في الدولة وأدرجه في سياق إعادة الهيكلة والإصلاح ..
الغريب في الأمر أن كلا الفرقين اعتبر رحيل الجنرال توفيق حجة له لا عليه ..بل دليلا على صحة تحليلاته ووجاهة استشرافه ..
لكن هذا الأمر لا يخفى أن بعض التحاليل أصابها العوار البيّن وانكشفت مجافاتها للحقائق.. والأغرب من ذلك كله هو أن البعض لا يزال مستمسكا بهذه الآراء العجيبة و بطريقة غريبة ...
عندما قام بوتفليقة ب"غزوة سبتمبر2013" على جهاز الدياراس وغيّر ما غيّر وحوّل ما حوّل و أقال من أقال ..قال الكثيرون أن ذلك يندرج في سياق الصراع بين المخابرات والرئاسة ، وأن بوتفليقة استهدف الرجال المقربين للتوفيق وعلى رأسهم الرجل الثاني في الجهاز اللواء طرطاق ، الذي صنفوه ضمن رجال ثقة توفيق ..اليوم ، نفس الأشخاص يقولون أن الرئيس عيّن مستشاره واحد مقربيه على رأس جهاز الدياراس ..بل أن البعض نسى كلامه السابق وراح يتحدث عن خلاف شخصي عميق بين التوفيق والبشير توج بتنحية الأخير سنة 2013 وسمح له هذا العداء بتعينه على رأس جهاز المخابرات خلفا لخصمه اللدود الجنرال توفيق ونكاية فيه..؟؟ونسوا كلامهم السابق الذي قالوا فيه بان بوتفليقة استهدف الجنرال توفيق من خلال تنحيته للجنرال طرطاق...؟؟
والسؤال الذي يطرح لأصحاب هذا التحليل أن يثبتوا على رأي : هل طرطاق من رجال بوتفليقة أم من رجال توفيق هل توفيق على خلاف مع البشير أم على وفاق ..؟؟
مفتاح سحنون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)قام صحفي يعمل لحساب جريدة عربية تصدر بلندن بنقل حرفي لأجزاء كبيرة من المقال ونسبتها لمصدر أمني ولم يكلف نفسه عناء نسبة النص المنقول إلى صاحبه
طالع هذا المقال من هذا الرابط لتكتشف حجم السرقة بطريقة فجة
http://www.alarab.co.uk/?id=3727
(2) جريدة الخبر نشرت صورة للجنرال توفيق سنة 2014 وبالتحديد بعد تصريحات سعداني الشهيرة فيما لم تستطع اغلب الصحف الجزائرية نشر صورته إلا بعد رحيله