الحسن الأول بن محمد، السلطان الذي كان عرشه على صهوة جواده
السلطان الحسن الأول (1836 - 1894)
السلطان الحسن الأول، المعروف أيضًا باسم "حسن الأول من المغرب"، تولى الحكم في المغرب من عام 1873 حتى عام 1894. بعد أن خلف والده محمد الرابع بن عبد الرحمن، سعى الحسن الأول إلى تحقيق حكم مركزي قوي وتوسيع سلطة الدولة على جميع القبائل دون استثناء. تمكن من تحديث الجيش، لكن العديد من الإصلاحات لم تكتمل بسبب تمرد بعض القبائل.
لعبت سياسة التقشف التي اتبعها دورًا كبيرًا في تقليل ديون البلاد، مما حال دون التدخل الأجنبي، حيث كانت هذه التدخلات قد أدت بالفعل إلى السيطرة المالية الأوروبية على تونس ومصر في تلك الفترة.
نجح السلطان في صد الأطماع الأوروبية المتزايدة، وفي مؤتمر مدريد عام 1880، تم الاعتراف بعدم تبعية المغرب لأي قوة أجنبية، على الرغم من منح 13 دولة أجنبية امتيازات كبيرة. حاولت فرنسا وبريطانيا فرض الحماية على المغرب، لكنهما واجهتا معارضة من دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وإسبانيا والبرتغال.
توفي السلطان الحسن الأول فجأة عام 1894 أثناء حملة للمخزن لاستعادة السيطرة على بعض القبائل الثائرة في جبال الأطلس. تولى ابنه المولى عبد العزيز الحكم بعد وفاته.
كان السلطان الحسن الأول واعيًا لمصير تونس، التي احتلتها فرنسا عام 1880، بعد تعرض حاكمها محمد الصادق باي لضغوط شديدة. لذلك، اتبع السلطان سياسة مالية قائمة على التقشف، مما ساهم في تأجيل احتلال المغرب لمدة 18 سنة بعد وفاته.
نقل جثمان السلطان الحسن الأول إلى الرباط بعد وفاته
توفي «السلطان الذي كان عرشه فوق فرسه».. وبموته، سقط العرش، شيئا فشيئا، من فوق صهوة الفرس، لتهرول إليه ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، قبل أن تتلقفه أيادي الفرنسيين والإسبان. كان السلطان الحسن الأول قد اتّعض بمصير الجارة الجزائر التي تم احتلالها سنة 1830، بعد «حادثة المروحة»، التي قذفها حاكم الجزائر، الداي الحسين، في وجه القنصل الفرنسي، بعدما جاء الأخير يطالبه بتسديد دين ب20 مليون فرنك فرنسي، فوجدها ملك فرنسا، شارل العاشر، مبررا لاحتلال الجزائر.
من خلال كتابات الصحفي الإنجليزي والتر هاريس، فإن ظروف وفاة الحسن الأول قد كشفت عن جهود الحاجب با حماد، من أجل إبقاء خبر الوفاة سرا، حتى يتسنى له تنصيب المرشح الذي يريده على العرش. «توفي الحسن الأول في خيمة محاطة بحائط من قصب، ولم يكن يسمح بالدخول سوى للقلة القليلة من الثقاة. ولم يكن يعلم بخبر الوفاة سوى بعض من عبيد الحاجب با حماد. فصدر أمر يقول مضمونه إن السلطان، وليس باحماد، قرر التحرك باكرا، قبل الفجر في اتجاه عاصمة الملك، فتحرك الموكب الملكي بعدما وضع في داخله السلطان وأغلقت دونه النوافذ وأنزلت الستائر. وفي الساعات الأولى من الصباح، حمل الهودج إلى الخارج، محمولا على ظهور بغال قوية. فعزفت الموسيقى ودقت الطبول وأطلق العبيد النداء المعتاد: الله يبارك في عمر سيدي». تشكل الموكب السلطان، وبمحاذاة الهودج وكانت قوات الحرس تسير كالمعتاد، ليتبين أن السلطان الميت يمارس سلطاته.
تجمع الروايات التاريخية على أن جثة الراحل قد تم غسلها ولفها في كفن في منطقة البروج بقبائل بني مسكين الغربية، فيما أعلن الحاجب با حماد أن السلطان يحس بتعب وأنه لن يتوجه إلى ما كان مقررا له من أجل مباشرة أمور السلطنة في قاعة المجلس السلطاني، وأنه كالعادة كلف حاجبه بالنيابة عنه في ذلك، وأن القرارات بعد التصديق عليها ستصل للجهات المعنية بها. لكن أمر وفاة السلطان لم يكن ليظل في السر وقتا طويلا. بعد يومين، أعلن الحاجب باحماد خبر الوفاة، وأنه تمت مبايعة ابن السلطان مولاي عبد العزيز سلطانا جديدا، باختيار من والده الراحل، وسارع الرسل إلى إبلاغ القرار إلى جهات المغرب، بعد أيام من الوفاة الفعلية في الرحامنة.
الحسن الأول ودوره السياسي
واجه السلطان الحسن الأول تحديات كبيرة نتيجة للانهيارات السياسية والاقتصادية التي أعقبت هزيمة المغرب في معركة إيسلي عام 1844 وحرب تطوان ضد إسبانيا عام 1859. وكانت هذه الظروف تشير إلى مصير المغرب الذي كان قد يتشابه مع مصير الجزائر وتونس.
في عام 1880، وقع السلطان شخصيًا على الاتفاقية التي صدرت عن مؤتمر مدريد، والتي أقرت بحق الملكية للأجانب المقيمين في المغرب وسمحت للقناصل بالحصول على مرافقين ومترجمين. ورغم موافقته على هذه البنود التي تمس السيادة المغربية، إلا أنه حال دون توقيع أي اتفاقية حماية في نفس السنة التي احتُلت فيها تونس.
كان السلطان يحكم بقبضة حديدية، وغالبًا ما كان يتجول في البلاد على ظهر حصانه، وهو الأمر الذي جاء في سياق تاريخي صعب بسبب هزائم المغرب. ومع ذلك، كان يعهد بالعديد من اختصاصاته إلى حاجبه السلطاني باحماد، الذي كان له تأثير كبير خلال فترة حكمه.
توفي السلطان الحسن الأول في 7 يونيو 1894، أثناء توجهه إلى منطقة الرحامنة لوقف تمرد. بعد وفاته، انتشرت أخبار رحيله بسرعة، وتم نقل جثمانه إلى الرباط.
تُعتبر وفاة السلطان نقطة تحول تاريخية، حيث بدأت القوى الأوروبية في التنافس على السيطرة على المغرب. إذ كان الحسن الأول قد تعلم من مصير الجزائر، التي احتلتها فرنسا، مما دفعه إلى اتخاذ احتياطات لحماية استقلال المغرب.
تشير الشهادات التاريخية إلى قوة شخصية الحسن الأول وثقافته، حيث كان له تأثير بارز في الحفاظ على استقلال المغرب حتى نهاية القرن التاسع عشر، كما أقر بذلك العديد من المؤرخين والكتاب.
قبله: محمد الرابع | سلاطين المملكة المغربية 1873 | بعده: مولاي عبد العزيز |