
مؤتمر أنفا 1943: حين اجتمع الكبار في قلب الدار البيضاء
في أوج نيران الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا في الرابع عشر من يناير 1943، تحوّل فندق "أنفا" الفخم بمدينة الدار البيضاء إلى مسرح لأحد أخطر وأهم الاجتماعات السرية في القرن العشرين. هناك، اجتمع قادة الحلفاء الكبار، في مؤتمر سري دام عشرة أيام، ليرسموا ملامح العالم الجديد ما بعد الحرب.
من حضر ومن غاب؟
حضر المؤتمر الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، إلى جانب القائدين الفرنسيين المتنافسين الجنرال شارل ديغول والجنرال هنري جيرو، وشارك فيه الملك محمد الخامس، سلطان المغرب آنذاك، رفقة ولي عهده الأمير الحسن الثاني.
أما الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، فاختار الغياب، مفضلاً ترك مقعده شاغرًا في هذا الاجتماع الحاسم.
قرارات من نار وسط أجواء الحرب
جاء المؤتمر لبحث مستقبل الحرب العالمية الثانية ومآلاتها، لكن خلف الأبواب المغلقة، كانت الصراعات السياسية تشتعل أيضًا. فقد تردد ديغول كثيرًا قبل قبول الدعوة، ورفض الحضور تحت راية أمريكية. لكن تشرشل، بخبرته الدبلوماسية وضغطه الواضح، هدّده بشلّ غرفة العمليات الخاصة بالمقاومة الفرنسية، مما اضطر ديغول للانصياع والمشاركة مكرهًا.
انتهى المؤتمر بقرارات غيّرت مجرى الحرب:
-
المطالبة بالاستسلام غير المشروط لقوات المحور (ألمانيا، إيطاليا، اليابان، النمسا، رومانيا).
-
دعم الاتحاد السوفياتي بالعتاد والموارد.
-
الاتفاق على غزو صقلية وإيطاليا انطلاقًا من تونس.
-
توحيد القيادة العسكرية الفرنسية بين جيرو وديغول، رغم توتر العلاقة بينهما.
لكن من لعب الدور الأبرز في رسم رؤية المؤتمر؟ كان هو روزفلت، الذي لم يخفِ رغبته في تطبيق ميثاق الأطلسي، وخاصة مبدأ "حق الشعوب في تقرير مصيرها". بل ذهب بعيدًا وأعلن للشعب الأمريكي نتائج المؤتمر في خطاب إذاعي شهير بتاريخ 12 فبراير 1943.
ماذا جنى المغرب من هذا اللقاء التاريخي؟
رغم أن المغرب لم يكن جزءًا من كل تفاصيل الجلسات، إلا أنه خرج من مؤتمر أنفا بأكبر مكاسب سياسية منذ فرض الحماية الفرنسية.
1. وعد بالاستقلال
تلقّى الملك محمد الخامس من الحلفاء وعدًا صريحًا بمنح المغرب استقلاله بعد نهاية الحرب، وهو الوعد الذي شكّل ضربة موجعة لفرنسا، وأعطى دفعة قوية للحركة الوطنية المغربية.
2. اعتراف بمكانة المغرب الاستراتيجية
تحوّلت الدار البيضاء، المدينة الساحلية الهادئة، إلى عاصمة دولية لقرارات مصيرية. لم تعد مجرد محطة في شمال إفريقيا، بل صارت قلب الحدث العالمي.
تخليد الذكرى بعد 70 سنة
في يناير 2013، احتفلت القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء بالذكرى السبعين لمؤتمر أنفا، تحت شعار:
"مؤتمر أنفا 1943: سبعون سنة من التعاون المغربي-الأمريكي"
وقد تم تكريم جيمس روزفلت، حفيد الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، بحضور شخصيات مغربية مرموقة.
وفي لقاء صحفي، قال الحفيد إن اختيار الدار البيضاء لم يكن صدفة، بل "رمزًا عميقًا"، لأن المغرب كان أول بلد يعترف باستقلال الولايات المتحدة في القرن الثامن عشر.
ما بعد أنفا...
شكل مؤتمر أنفا بداية لسلسلة من اللقاءات الكبرى، مثل مؤتمر القاهرة، وطهران، ويالطا. لكن أنفا سيظل، في الذاكرة المغربية والدولية، نقطة التحوّل التي جمعت بين المعركة العسكرية والطموح نحو التحرر، في قلب عاصمة مغربية صاعدة.