
مواقف، وآراء، وقصائد، وتحليلات حول القضية الفلسطينية زمن عيش الزعيم الحزبي والفقيه والمفكر المغربي علال الفاسي، الراحل سنة 1974، دافع فيها منذ خمسينيات القرن الماضي عن حلول “لإزالة الخطر، وإقرار السلام في الشرق الأوسط”.
يجدر الذكر أن علال الفاسي وفق شهادة الوفد الذي رافقه إلى بوخارست الرومانية، وضمنَه العلَم السياسي امحمد بوستة، الذي وثّق اللحظات الأخيرة في مذكراته، كان آخر ما دافع عنه دقائق قبل وفاته فتح أول مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية بأوروبا، وهو جالس مع الرئيس نيكولاي تشاوشيسكو، وطلب الوقوف مع المملكة المغربية ومساندتها لأنها مقبلة على الدخول في مفاوضات جدية مع إسبانيا لاستعادة أقاليمها الصحراوية.
ويضمّ كتاب صادر عن منشورات مؤسسة علال الفاسي مختارات تبيّن مواقف أحد أبرز أسماء الحركة الوطنية التي طالبت باستقلال المغرب، في تضامنه مع فلسطين، ومحايَثته لكافة تطورات القضية، واقتراحه حلولا، وندائه بتجديد الوعي بأمور من بينها “وجوب اعتبار قضية فلسطين قضية دينية، إسلامية ومسيحية، لأنها دفاع عن قدسيات المسلمين والمسيحيين، من أن تدوسها أيدي الصهاينة”.
الكتاب الصادر عن منشورات مؤسسة علال الفاسي بعنوان “القضية الفلسطينية والقدس في الفكر والوجدان”، الذي جمع وأعدّه المختار باقة، من بين ما توثّقه صفحاته التي تزيد عن المائة، فضلا عن المواقف، ودعم المقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها، حلول اقترحها علال الفاسي في وقت كان الرأي العام السياسي والمجتمعي العربي مختلف المزَاج حول حل القضية.
ومن بين ما كتبه علال الفاسي أنه “قبل كل شيء يجب أن نؤكد أن بقاء إسرائيل كدولة دينية سلالية، غايتها إعادة بناء الهيكل في القدس، وتأسيس الإمبراطورية اليهودية العالمية، لا يمكن أن يقبله العرب والمسلمون ولا غيرهم من دول العالم الواعية، وأن العالم الإسلامي لا بد أن يستعيد قوته يوما ما، ويصفي الحساب ولو طال الزمان، وأن الغرب لا بد أن ينتبه من غفلته، ويتقدم هو الآخر لمقاومة السلالة النازية في شكلها الإسرائيلي الجديد”.
ويضيف الراحل: “إن العرب في وضعهم الحالي غير قادرين على سحق إسرائيل بالقوة، وإجلاء الإسرائيليين عن الشرق الأوسط، كما يتحدث به بعض الساسة العرب دون تدبر ولا تقدير”، ثم أردف: “إن العرب والمسلمين لا يحملون أي عداء لليهود، ولا لأي جنس آخر، وإنهم يعتبرون اليهود أهل كتاب، وأنهم كسائر البشر جديرون بالتمتع بالكرامة الإنسانية، إنما لا يرون موجبا لأن تتكون دولة يهودية، مبنية على الدين والسلالة، ما دام اليهود مواطنين في كل بلد يوجدون فيه يتمتعون بالحرية والحقوق التي يتمتع بها أهل الطوائف الأخرى”.
ثم كتب علال الفاسي: “لو قبلنا التفكير الذي جعل تكوين دولة إسرائيلية على شكلها الحالي ضروريا لكان من الضروري أن تتكوّن في أمريكا دولة بروتستانتية، وأخرى كاثوليكية، وثالثة سكسونية، ورابعة لاتينية، وخامسة صينية، وسادسة زنجية، وسابعة عربية، وقل مثل ذلك في روسيا، وفي الصين، وفي دول أوربا الغربية، وفي كل دولة تتكون من أجناس مختلفة وديانات متعددة”، وزاد: “على كل من العرب واليهود أن يفكروا في الواقع، ويعلموا أنه ليس في استطاعة أحد الطرفين أن يقضي على الآخر نهائيا. وعلى أنصار الفريقين معا أن يفكروا في عواقب الحالة التي خلقتها الصهيونية في الشرق الأوسط وفي العالم”.
وكان الحل الذي اقترحه علال الفاسي “تخلي اليهود عن الصبغة الدينية والسلالية التي أعطوها لدولتهم، وتخلي العرب عن فكرة إجلاء اليهود الذين استوطنوا فلسطين، مع جلاء الجيوش الإسرائيلية عن الأراضي العربية التي احتلتها (…) وعودة اللاجئين العرب إلى ديارهم، وتعويض اليهود عما فقدوه من مال بسبب تشردهم”.
وتابع العلم الراحل مناديا بـ”تأسيس دولة لا دينية فلسطينية في الضفة التي تسمى اليوم إسرائيل، وإعطائها اسم الجمهورية الديمقراطية الفلسطينية”، ثم “طبقا لما يقرره المؤتمر التأسيسي يوضع دستور الجمهورية على أساس وفاقي بين الديانات والطوائف، بحيث توزع السلط بصفة عادلة شبيهة بالصفة الجاري بها العمل في لبنان، وتكون اللغتان العربية والعبرية رسميتين للدولة”.
ومن بين ما دافع عنه علال الفاسي أن “تتمتع الطوائف المقيمة في الجمهورية بكامل حريتها الدينية، ويمكن أن تنظم شؤونها الطائفية على الطريقة التي تريد، وتقوم الدول بواجب الرعاية والحماية والمساعدة المادية والمعنوية للجميع”؛ مع أن “تقبل الجمهورية عضوا في الجامعة العربية، وفي المؤسسات المنبثقة عنها، إذا رغبت في ذلك”.
وسطّر علال الفاسي، مستبقا ردود الفعل، أن “هذا الاقتراح يبدو أولا صعب القَبول من العرب، ومن اليهود، ولكنه في ما يظهر أقرب إلى المنطق الواقعي، ويمكن أن يكون له حظ النجاح إذا تبنته بعض الدول التي يهمها أمر السلام في تلك المنطقة الحساسة، وعملت على إقناع الجانبين به”.