أخر الاخبار

محمد بوضياف الرمز الثوري الوحيد الذي كانت الجزائر في حاجة إليه

محمد بوضياف الرمز الثوري الوحيد الذي كانت الجزائر في حاجة إليه

لم يكن غريبًا أن تعجّ مواقع التواصل الاجتماعي الجمعة والسبت في الجزائر بتغريدات تستذكر اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف في 29 جوان 1992، لأنّ "سي الطيّب" كما يلقّبه رفقاء السلاح، كان طيّبًا حقًا، ورجل إجماع مازال يبكيه الجزائريون حتى الآن، فعملية الاغتيال لم تكن تقصد قتل بوضياف الرئيس، وإنّما اغتيال مشروع الحلم الجزائري الذي حمله معه طول حياته ولازال الجزائريون إلى اليوم يسعون لتحقيقه.

قد يتساءل سائل ما الذي جعل بوضياف يحقّق التوافق لدى الجميع على عكس كثير من خصومه السياسيين في ذلك الوقت؛ فهو لم يكن الرمز الثوري الوحيد الذي كانت البلاد في حاجة إليه في التسعينات، بعد قرار إلغاء المسار الانتخابي الذي فازت به الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلّة، لكنه ربّما كان الوحيد الذي فرح الجميع بقدومه وبكوا حزنًا على رحيله.

السرّ وراء هذا الحب والتقدير، يكمن فقط في أن بوضياف من الذين آمنوا منذ البداية بجزائر تسع الجميع وتكفل حق الاختلاف وتعدّد الآراء وبحاجتها إلى هذا التنوّع تحت شعار "أمد يدي للجميع"، لذلك لم يتحرّج في أن ينتقل إبان مساره النضالي بين حزب الشعب وانتصار الحرّيات الديمقراطية إلى جبهة التحرير الوطني، ولم تغلبه نشوة العصبية الثورية بعد الاستقلال في الانتصار للرأي الأحادي، بل كان من السبّاقين المطالبين بالاستماع للرأي الآخر والكفر بالشرعية الثورية.

وإلى اليوم يبقى سي الطيّب، مرجعًا لمن يريد تعلّم السياسة النظيفة البعيدة عن النفاق وتحقيق الغايات الشخصية، فالرئيس الرابع للجزائر، يملك حقوق ملكية المطالبة بحلّ حزب جبهة التحرير الوطني بعد الاستقلال وإرساله إلى المتحف لحفظ قيمته التاريخية الرمزية، وهو الذي كان أحد مؤسّسيه وصانعيه.

عند التمعّن في محطّات التاريخ الجزائري طيلة 57 سنة من الاستقلال، ربّما يتبادر إلى مخيّلة كل واحد منا سؤال: كيف كانت ستصبح الجزائر لو أنصتت السلطة لنصائح محمد بوضياف وأرائه؟

ألم يكن في إمكاننا اليوم أن نُصبح تجربة يَحتذي بها الجميع في الممارسة الديمقراطية؟ ألم يكن في مقدورنا أن نتجنب سقوط أكثر من 200 ألف جزائري بنيران شقيقة في تسعينيات القرن الماضي؟ وألم يكن في إمكاننا تفادي الوقوع في شباك إغراءات الرأسمالية الزائفة، واتباع منهجٍ سياسيٍ واجتماعيٍ واقتصاديٍ بمقاس جزائري؟.

عند استذكار سيرة  بوضياف اليوم، وفي الظروف التي تعيشها الجزائر منذ 22 فيفري الماضي، يمكن القول إن الحلم الجزائري كان ممكن التحقيق قبل نحو ثلاثين سنة، فالرجل الذي لم يمكث إلا بضعة أشهر في كرسي الرئاسة رفع منذ البداية شعار " سألغي الفساد وأحارب الرشوة والمحسوبية وأهلها وأحقق العدالة الاجتماعية".

وعليه كان بالمقدور لو طبقت شعارات بوضياف وأرائه أن نتجنّب فساد نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ووزيره الأوّل أحمد أويحيى، ومن تعاون معهما على إغراق هذه الأرض الطاهرة بالرشوة والمحاباة ونهب المال العام، وكنّا سنكون في غنىً عن المتابعات القضائية التي تجري اليوم ضدّ رموز نظام الرئيس السابق.

اليوم تُصنع لحظة تاريخية جديدة، يُطرح فيها سؤال محوري طرحه محمد بوضياف منذ زمن مضمونه "الجزائر إلى أين؟"، الإجابة عنه معروفة بالنسبة للذين تشبّثوا بسلمية النضال، والتزموا بالخروج كل جمعة في مسيرة تنادي بالتغيير الجذري الشامل وهي العمل بآراء الصادقين من أمثال بوضياف الذين لم يبدّلوا تبديلا من أجل أن يُصبح الحلم الجزائري حقيقة وواقعًا وممكنًا؛ لأن من "سبقونا سبقونا بالعلم فقط"، كما قال سي الطيب رحمه الله.

عبد الحفيظ سجال
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-